الرئيسية مقالات الإسلام الذي يروج له ابن سلمان هو ديزنيلاند للروبوتات وليس مجتمعا مفتوحا

الإسلام الذي يروج له ابن سلمان هو ديزنيلاند للروبوتات وليس مجتمعا مفتوحا

by admin

فاجأ ولي العهد محمد بن سلمان قراء صحيفة الغارديان البريطانية، حينما منحها مقابلة في الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول، للاحتفال بمشروع طموح آخر غال في الحداثة تصل تكلفته إلى خمسمئة مليار دولار، وهو مدينة نيوم، التي ستقام على ساحل البحر الأحمر بين المملكة العربية السعودية ومصر والأردن.

واستشرافا لقصة النجاح التي يجسدها التنويع الاقتصادي القائم على رؤية 2030، أكد ولي العهد على أهمية تزامن الإصلاح الاقتصادي مع الإصلاح الاجتماعي قاطعا على نفسه هذا العهد: “سوف أعيد المملكة العربية السعودية إلى الإسلام المعتدل”.

أهداف بعيدة المنال

والهدف الرئيسي هو دعوة المجتمع الدولي للمساعدة في تحويل المملكة العربية السعودية إلى مجتمع منفتح تارة أخرى، كما لو أن المملكة في تاريخها الحديث كانت بالفعل مجتمعا منفتحا يزدهر فيها الإسلام المعتدل.

يبدو أن الأمير تاه عن جوانب مهمة من الإسلام المعتدل ومبادئ المجتمع المنفتح. فالحقيقة هي أن النظام السعودي طالما كان وما يزال عدوا لدودا لكليهما. فاستحداث إسلام معتدل من فوق ومجتمع منفتح من تحت كلاهما هدفان بعيدا المنال إذا ما أخذنا بالاعتبار الواقع الحالي وممارسات النظام.

طوال الثمانين عاما الماضية، اعتمد النظام على تفسيرات راديكالية للإسلام؛ لتدجين وتركيع مجموع سكاني متنوع في جزير العرب، وإحكام السيطرة عليه.

فتلك كانت المرة الأولى في التاريخ الإسلامي التي واجهنا فيها تقليدا دينيا طائفيا اسمه “الوهابية” ما لبث أن تحول إلى دين الدولة الرسمي بدعم من السيف والثروة النفطية.

قساوسة الوهابية

تاريخيا، لم تقم قائمة للتفسيرات الراديكالية الهامشية للإسلام إلا في الصحاري النائية والجبال القاصية داخل العالم الإسلامي حيث أبعدت مثل هذه الحركات. لم تلبث هذه النزعات الراديكالية، مثل الخوارج الذين تحدوا القيادة الإسلامية وانحرفت بعض تياراتهم لتغرق في ممارسة أشد أنواع العنف، أن انهارت وذابت لأنها أخفقت في كسب تعاطف جمهور المسلمين.

أما في المملكة العربية السعودية فإن نزعة طائفية فريدة من نوعها اسمها الوهابية -تُنعت خطأ بأنها إسلام إصلاحي أو حركة توحيدية- استمرت على قيد الحياة منذ منتصف القرن الثامن عشر. أثناء ذلك، فُرض على عامة الناس في المملكة بكل تنوعهم وأطيافهم الخضوع باسم الله، الذي صور على أنه إله جبار غاضب لا يغفر.

والذين نيطت بهم مهمة تفسير كلمات الله أصبحوا أعيان الدولة وشكلوا ما يشبه طبقة من القساوسة ومنحوا أنفسهم السلطة لتكفير الأفراد والمجتمعات بحجة ممارستهم لطقوس غير معتادة.

وفي سبيل تجنب إغضاب طبقة قساوسة الوهابية، استهدف الحكام السعوديون الصحوة وعملوا على قمعها، والصحوة عبارة عن حركة إحياء إسلامية طالبت في تسعينيات القرن الماضي بالعودة إلى الإسلام في الدولة السعودية المعاصرة.

لم تكن الصحوة كلها تتعلق بالجهاديين الراديكاليين، بل شملت رجالا سعوا سلميا إلى التحرر من الإرث الثقيل للمذهب الوهابي، وخاصة فيما يتعلق بالخضوع التام للزعماء السلطويين من أمثال ملوك آل سعود.

وشملت الصحوة آخرين ممن أرادوا العودة إلى الميثاق الأصلي الذي أبرم بين الوهابيين وآل سعود، والذي استلم بموجبه الوهابيون مسؤولية التأكد من التزام الناس بشعائر الإسلام بينما تركت للسعوديين مسؤولية إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية.

الإصلاح الديني

ليس واضحا بعد كيف ستجري عملية الإصلاح الديني على أيدي النظام، خاصة عندما يكون عدد ضخم من النشطاء ورجال الدين والمهنيين وحتى الشعراء قد سجنوا في آخر موجة من الاعتقالات قبل ما يقرب من شهرين، وليسوا كلهم راديكاليين أو منتقدين لوجهة نظره الجديدة.

إذا أريد للإصلاح الديني أن يتم فلابد أن يكون ناجما عن الحوار داخل الدوائر الإسلامية ومتحررا تماما من نفوذ وتدخل الدولة من فوق. مثل هذه الحركات الإصلاحية داخل المنظومة الدينية لا تولد دائما في دواوين الملوك السلطويين وأمرائهم. إلا أن ما يجول في بال ولي العهد شيء آخر، إنه يريد دينا ملكيا يجرم الانتقاد والاعتراض ويحرم كل أنواع النشاط السلمي.

يتميز الإسلام بخاصية لا توجد في غيره من الأديان، ألا وهي قدرته على إصلاح نفسه بنفسه. إلا أن مدارس الإسلام الفقهية المتعددة التي تقدم للناس تفسيرا للشريعة، والنصوص الثرية التي يولدها الاجتهاد البشري، وعلم الكلام، والنقاش داخل حلقات العلم، كل ذلك اختفى تماما ولم يعد له وجود في ظل حكم آل سعود.

فكانت النتيجة النهائية فرض تفسير واحد لنصوص الإسلام وإغلاق أبواب الاجتهاد بهدف الحفاظ على النظام الملكي المستبد. ويبدو أن الأمير راغب اليوم في إسلام يقمع المعارضين السياسيين ويجرم من يعصون أوامر السلطان الجائر ولكن ضمن ثوب ليبرالي يفتح الباب على مصراعيه أمام الغناء والرقص، شرقيه وغربيه.

ما هو الإسلام المعتدل؟ 

هل يعني الإسلام المعتدل إلغاء عقوب الإعدام، ومنع تعدد الزوجات، والسماح بالنقاش الديني حول شرعية الحكم الوراثي؟ وهل سيتطرق إلى طبيعة الحكم الإسلامي وشرعية الحكم الملكي في الإسلام؟ وهل يعني الإسلام المعتدل السماح للمجتمع المدني وللنقابات والاتحادات المهنية بالازدهار، وهي التي تعتبر نماذج معاصرة من الروابط المهنية التي كانت سائدة في المجتمعات الإسلامية القديمة، وكانت مهمتها حماية المهنيين والحرفيين من تغول السلطة عليهم وإيذائها لهم؟

هل يعني هذا الإسلام المعتدل الذي يرنون إليه ممارسة الشورى، والتي تترجم واقعياً على هيئة مجلس وطني منتخب وحكومة ممثلة للشعب ودستور على نمط وثيقة المدينة التي أسس فيها النبي محمد الدولة الإسلامية الأولى؟

لن يحصل ذلك بتاتا. فالإسلام المعتدل الذي يريده ولي العهد إنما هو مشروع تُكتم فيه أصوات المخالفين، ويُغيب فيه النشطاء وراء القضبان، ويُجبر الناقدون فيه على الخنوع. ومن المفارقات العجيبة أن هذا الإسلام المعتدل يبرر ويقر ويمتدح أكثر ممارسات الدولة راديكالية بينما يتيح أوسع المجالات ويفتح الأبواب على مصاريعها أمام التسلية والمرح والمتع.

وآخر ما أنجزه هذا الدين الجديد أنه سمح للنساء بقيادة السيارات، وقد يتبع ذلك أن يقدن أنفسهن إلى السجن فيما لو تجرأن على مساءلة النظام حول سياسته الاقتصادية أو حول أجندته الاجتماعية. يريد لهم هذا الدين الجديد أن يبتهجن ويسعدن لأنهن سيتمكن من الرقص في الشوارع والاختلاط بالرجال في الأماكن العامة.

ثمة اعتقاد بأن مثل هذا الإصلاح بات أساسيا من أجل تحقيق نهضة اقتصادية وتشكيل اقتصاد قائم على التكنولوجيا يكاد يشبه ما عليه حال ديزني لاند.

والآن، أصبحت الروبوت صوفيا، الإضافة الأخيرة إلى قائمة اقتصاد التجهيزات الإلكترونية الموعود، مواطنا سعوديا. إنها رمز للتغييرات الهائلة التي تنتظر السعوديين المعتدلين الذين كما لو أنهم ولدوا من جديد. ليست صوفيا مضطرة إلى لبس النقاب كما كان حال اللعب البلاستيكية وتماثيل العرض مقطوعة الرأس في محلات الأزياء في العهد السابق.

وفي المستقبل قد يخطر ببال النظام تحويل المواطنين السعوديين إلى ريبوتات لا تسأل عن شيء، وتبادر راغبة بل وطائعة متذللة بإقرار وتقدير ليس فقط ما يسمى بالإسلام المعتدل بل وحتى ديزني لاند الجديدة الموعودة.

الطوباوية الموعودة

والطوباوية الأخرى الموعودة في رؤية ولي العهد هي “المجتمع المنفتح”. وهي بذلك تحل محل الطوباوية الإسلامية التي كانت مؤسسة على أكثر تفسيرات الإسلام تطرفا. معظم العقلاء من الناس يفهمون المجتمع المنفتح على أنه الديمقراطية بكل ما تعنيه الكلمة، حيث تحظى الحقوق المدنية والسياسية بالحماية من أعدائها.

إلا أن النظام يثبت المرة تلو الأخرى أن آخر شيء يريده هي المجتمع المنفتح. ومع القيود الخطيرة التي تفرض على حقوق الناس وعلى حرية التعبير وحرية التجمع وحتى حرية التدين أو عدم التدين فإن المجتمع المعتدل والمنفتح الذي يتوقعونه ما هو إلا صورة مشوهة وساخرة لذاته.

نعم، المملكة العربية السعودية منفتحة على رأس المال الدولي لينقذها من مخاطر الاعتماد على سلعة نفطية واحدة تتعرض أسعارها لتقلبات مستمرة. كما أنها منفتحة على رجال الأعمال الدوليين ليفتحوا لأنفسهم دكاكين داخل المملكة. وفي هذه الأثناء تُغرق الأسواق بالسلع الاستهلاكية ويسمع الناس بوعود بتدريب النساء على فن المكياج، ما سيتيح المجال أمام إيجاد فرص عمل جديدة. إلا أن المجتمع المنفتح أبعد ما يكون عن هدف رؤية 2030 أو إصلاح الإسلام.

وتجاوزا للمبالغات الدعائية التي ترافق أمير الإعلام وطوباوياته المتعددة، علينا أن نخفض من توقعاتنا وآمالنا. وذلك أنها بدون إعطاء صوت للناس، ستبقى المملكة العربية السعودية مجتمعا منغلقا تتحكم فيه الدولة بالدين وتسيطر عليه، ومشروعاً قديماً لم يغرس في الدولة لا مبادئ الأخلاق وقيم العدالة ولا الإصلاح الديني.

والحقيقة هي أن سيطرة آل سعود على الدين أفسدت الإسلام وحولته إلى أداة لإضفاء المشروعية على نظرة بالغة التطرف.

والخلاصة هي تشويه سمعة الإسلام والمسلمين.

متسولون على باب القصر

يقف رجال الأعمال الدوليين كالمتسولين على باب القصر، ينتظرون مزيدا من الإعلانات التي تعود عليهم بالفائدة. ويبدو أن هؤلاء لا يشعرون بأهمية ما يتوفر لديهم من قوة ونفوذ، فهم وحدهم قادرون على تحول حلم الأمير إلى واقع.

دون أن يتكبدوا أي خسائر في الأرباح، بإمكان المؤسسات التجارية القيام بمسؤولياتها والإصرار على إحداث انفتاح حقيقي وليس ذلك الانفتاح المزور الذي يعد به الأمير. من المؤكد أن بيئة عملهم ستكون أفضل بكثير لو أن حقوق الإنسان في المملكة احترمت ولو أن الحكم كان رشيدا، ولو مورست الديمقراطية ولو حتى في حدها الأدنى. أما في الظروف التي يسود فيها القهر والاضطهاد وانعدام الشفافية فإن حياتهم وحياة موظفيهم ستكون في خطر.

قد يبدو العمل التجاري ورديا وواعدا في ظل الحكم الدكتاتوري على المدى القصير. أما على المدى البعيد، فإنها طوباوية لا تدوم؛ لأنها مشوبة بالقهر والقمع. وعلى المرء ألا ينسى أنه يمكن أن يتعرض للطرد في أي وقت، ويلقى به خارج أرض لا يحكم فيها القانون، وإنما الحكم فيها للأمير.

مقال مترجم لـ”عربي21″ عن موقع “ميدل إيست آي”

اترك تعليق