الرئيسية مقالات الرجال والنساء السعوديون متساوون من حيث التعرض للتعذيب داخل السجن

الرجال والنساء السعوديون متساوون من حيث التعرض للتعذيب داخل السجن

by admin

مكثت العديد من الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة شهوراً في السجن، تعرضن أثناءها لمعاملة بشعة على أيدي السلطات السعودية.

لقد حققت النساء السعوديات مؤخراً – ومن حيث لم يحتسبن – المساواة مع الرجال.

فهن الآن، مثلهن مثل الرجال، يعتقلن ويتعرضن للتعذيب بتهم مبهمة، هي في الأغلب باطلة، تتراوح بين الخيانة إلى اتهامات بأنهن عميلات لحكومات أجنبية.

 

تواجه الكثير من الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة تهماً بتقويض الأمن السعودي الداخلي، وبإنشاء خلايا سرية وتجنيد الفتيات اللواتي يعملن في القطاع الحكومي.

 

وكثيرات منهن يقبعن في السجن منذ منتصف عام 2018، وقد تواجه العديد منهن عقوبة الموت.

تنفي السلطات السعودية استخدام التعذيب داخل السجن، إلا أنها في نفس الوقت لم تستجب لمطالب منظمات حقوق الإنسان العالمية بإجراء تحقيق مستقل والسماح لمراقبين بزيارة الناشطات المعتقلات واللواتي يقال إنهن تعرضن للتعذيب.

تهديدات بالاغتصاب والقتل

من بين هؤلاء الناشطات المعتقلات لجين الهذلول، وهي فتاة طامحة تمثل جيلاً جديداً من النساء السعوديات المتعلمات اللواتي لا يمكن إخماد أحلامهن من خلال القمع.

كانت لجين الهذلول في طور البروز كزعيمة نسائية التي عملت في سبيل منح النساء الحق في قيادة السيارة، وفي امتلاك زمام الأمور من حيث إدارة شؤون حياتهن، الأمر الذي يعتبر انتهاكاً صارخاً لنظام الولي الذي ما يزال معمولاً به في المملكة.

طالبت الهذلول برفع الحظر عن قيادة السيارات ثم سجنت. ففي العام الماضي، وبمجرد رفع الحظر عن القيادة، ألقت السلطات القبض عليها وعلى عدد من الناشطات النسائيات.

لم يكن من شقيقها المقيم في كندا وشقيقتها المقيمة في بلجيكا، إلا أن خرجا عن صمتهما ليتحدثا لوسائل الإعلام العالمية عن ما تتعرض له من تعذيب، ويسلطا الضوء بجرأة على واحدة من أبشع حالات المعاملة السيئة في السجون السعودية.

جاءت التفاصيل صاعقة وقاسية، بما في ذلك مزاعم بتعرض الهذلول للضرب والتعذيب بالإيحاء بالغرق في الماء، وبالصعق الكهربائي، والتهديد بالاغتصاب بل وحتى بالقتل.

يبدو أن الجلادين الذين يمارسون التعذيب يتصرفون دونما خوف من أي حساب أو مساءلة.

 

بل تكشف التفاصيل الصادمة لعنف الدولة المريع الذي تعرضت له الهذلول، عن الجانب المظلم لنظام عازم على إسكات المخالفين وخنق حركة نسائية ناشئة.

ها هي أبدان النساء، اللواتي طالما اعتبرن “رمزاً وطنياً” ينبغي حمايته، لما يشكله من محضن لجيل جديد من الرعايا الموالين، تتحول إلى ميدان يمارس النظام فيه أبشع ألوان الاضطهاد والتعذيب.

قيود ساحقة

تُصور النساء السعوديات في الخطاب الوطني على أنهن “جواهر” ينبغي حمايتها والاعتناء بها، ولذلك ينبغي ستر أجسادهن والتحكم بتحركاتهن لئلا يصدر عنهن ما يلطخ سمعة أمتهم الورعة.

 

أما الرجال في معيشتهم، وكذلك وكلاء الدولة، فقد عينوا أنفسهم بأنفسهم حماة للنساء يتحكمون بكل جانب من جوانب حياتهن.

لا تملك المرأة السعودية البالغة، حق الزواج، دون موافقة والدها أو شقيقها أو من يحل محلهما، وذلك اعتماداً على تفسير ضيق يتبناه واحد من المذاهب الفقهية الإسلامية.

 

بل وتحتاج المرأة من أجل أن تعمل وتصبح عضواً منتجاً في المجتمع إلى موافقة وليها، حيث يشترط في توظيفها الحصول على موافقة الولي، كما تشترط موافقته على سفرها إلى الخارج وعلى دخول المستشفى لتلقي العلاج، وعلى غير ذلك من الأمور.

ليست الدولة عنصراً محايداً في العملية المستمرة التي تستهدف السيطرة على النساء – إنتاجاً وتكاثراً – والتحكم بأبدانهن، والآن تعذيبهن.

 

بل كان ديدن النظام في واقع الأمر، ولأجيال متعاقبة، هو التواطؤ على التنكيل بهن وإكراههن.

في الماضي، خضعت الدولة السعودية للضغط حتى تضبط النساء وتتحكم بهن، وذلك خشية أن تفقد ولاء الذكور لها.

تحكم النظام بأبدان النساء خوفاً من أن يتمرد عليه الرجال، الذين كانوا يتوقعون من الأمة المسلمة الورعة فرض العفة، وضمان تقيد النساء بسلوك ملتزم، خول الرجال الدولة وعناصرها، من الشرطة الدينية إلى القضاة، بمهمة السيطرة على النساء، فما كان من الدولة في سبيل ضمان ولاء الرجال إلا أن تعهدت بإبقاء النساء تحت السيطرة.

تحرير النساء؟

بقيت هذه الصفقة قائمة لعقود إلى أن جاء ولي العهد محمد بن سلمان، وحرك المياه الراكدة، فأضحت النساء في عهده ميدان معركة يخوض فيها النظام ومعارضوه حروباً لا هوادة فيها ولا جدوى منها.

يتهم الإسلاميون النظام بإفساد بلاد الحرمين من خلال التقصير في حماية أجساد النساء، بينما يدعي النظام أنه يحرر النساء ويمكنهن.

 

وقف قلة قليلة من الإسلاميين مع تحرير النساء من خلال تبني نوع من الأنثوية الإسلامية، فانتهى بهم المطاف في السجن.

كلما تعرضت صفقة السيطرة على النساء بين النظام والرجال لهزة، تبع ذلك حالة من الاضطراب. وبحجة تعليم النساء، تمكن النظام من السيطرة على حياتهن وتقييد حرياتهن وخياراتهن.

إلا أن ما يتبناه النظام وتتبناه المعارضة من سرديات يفتقد إلى عنصر مهم، ألا وهو النساء أنفسهن.

 

ولكن بعد نجاح محمد بن سلمان في إضعاف الرجال، بما في ذلك أقاربه، بات بإمكانه أن يتجاهلهم جميعاً، وبشكل تام.

فلم يعد يبالي بمعارضتهم لما يسمى إصلاحاته الاجتماعية. باستطاعته الآن مشاهدة النساء السعوديات وهن يرقصن في الحفلات العامة، لعلمه بأن رجالهن لا يجرؤون على أن ينبسوا ببنت شفة.

حملة من أجل كسب الود

كل ما يهم محمد بن سلمان، هو التودد إلى العالم الغربي الذي بات شديد الانتقاد لسيطرة العربية السعودية على النساء، فبعد عدة تغييرات رمزية، بما في ذلك السماح للنساء بقيادة السيارات، أطلق ولي العهد حملة من أجل كسب الود وعيّن أميرة في واحد من أهم المناصب الدبلوماسية على الإطلاق، أي في منصب سفير المملكة في واشنطن.

ها هي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، والتي احتل والدها ذلك المنصب لما يزيد عن عقدين، قد صارت الآن الوجه الناعم لمشاريع محمد بن سلمان، التي يتوجه بها إلى جمهوره الأمريكي على أمل أن ينسيهم ذلك جريمة القتل الشنيعة التي ارتكبت بحق جمال خاشقجي، الكاتب في صحيفة الواشنطن بوست.

 

تتمثل مهمة الأميرة ريما باستعادة ثقة واشنطن بمحمد بن سلمان، بعد السقطة الخطيرة التي مني بها على إثر جريمة قتل خاشقجي.

في نفس الوقت تشيد العديد من الأنثويات التابعات للدولة السعودية بالتحرير المزعوم للنساء، متجاهلات المحنة التي تتعرض لها الهذلول والناشطات الأخريات المعتقلات.

ثمة حفنة منتقاة من النساء المواليات، اللواتي يلجأن إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام للإشادة بإصلاحات محمد بن سلمان، وهؤلاء وحدهن من يسمح لهن بالحديث لوسائل الإعلام الأجنبية التواقة للحصول على جملة أو اثنتين من شأنها دعم حكاية، تم التدرب عليها بشكل جيد حول الإصلاحات التي يجريها ولي العهد.

أما النساء اللواتي يتحفظن على إصلاحات محمد بن سلمان، فيتم إقصاؤهن واستثناؤهن من الحوار، ويجد الصحفيون الغربيون في الرياض وفي جدة، صعوبة جمة في الوصول إليهن، ناهيك عن أن يتمكنوا من الحصول على تصريح من أي منهن.

 

ولا أدل على ذلك من أن هاتون الفاسي، الناشطة المعروفة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، بمجرد أن نقلت عنها صحيفة نيويورك تايمز تصريحاً اعتقلت وأودعت السجن مثلها مثل الهذلول.

التضامن الصامت

لا يوجد مجال للتضامن النسائي مع الناشطات المعتقلات، وذلك نظراً لمحدودية الفرص المتاحة أمام النساء في العربية السعودية، رغم كل البهرجة والدعاية.

 

هذا بالإضافة إلى أن النساء اللواتي يتم تعيينهن في مناصب عليا يرغبن في البقاء في مناصبهن تلك، وإن أمكن إلى الأبد.

 

والولاء للنظام شرط أساسي لضمان ذلك، ولا ينجو من العقاب الشديد كل من تسول له نفسه الصدح بأي انتقاد مهما كان عابراً.

وتشتد المنافسة مع تزايد عدد النساء السعوديات المتعلمات، فالكثيرات منهن لن تتاح لهن أبداً فرصة الحصول على الوظيفة التي يحلمن بها في القطاع الحكومي أو حتى في القطاع الخاص.

 

ببساطة، لا توجد فرص كافية في اقتصاد فشل في إيجاد ما يكفي من الوظائف للرجال والنساء على حد سواء.

ونتيجة لذلك، ستبقى أعداد كبيرة من النساء داخل البلاد صامتة إزاء اعتقال الناشطات في مجال حقوق الإنسان، رغم أن نضال هؤلاء هو ما عاد بالفائدة على النساء بشكل عام.

في اليوم العالمي للمرأة، سوف تتذكر النساء المنفيات حول العالم، واللواتي يتزايد عددهن يوماً بعد يوم، الهذلول وصديقاتها وزميلاتها.

ولسوف يستمر هؤلاء النساء في بذل الجهود من خلال وسائل الإعلام للضغط على النظام، الذي يحظى بدعم من حلفائه الغربيين بالرغم من ارتكابه جريمة القتل بحق الصحفي جمال خاشقجي وشنه حملة اعتقالات لم تبق ولم تذر بهدف إسكات كل أشكال النشاط.

لقد أسفرت حملة القمع المتزايد عن جريمة قتل واحدة ارتكبت داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، أما القتل الذي يجري داخل السجون السعودية فلا يحظى بكثير من التغطية والاهتمام حتى الآن.

والآن، تتعرض أجساد النساء السعوديات للانتهاك، الأمر الذي يؤدي لا محالة إلى إذلال وإهانة أقاربهن الذكور في ثقافة يرتبط الشرف فيها بشكل مباشر بالنساء. أما الهذلول التي تتعرض للتعذيب، فسوف يكون تعذيبها عاراً على الرجال السعوديين الذين لم ينشطوا في سبيل إطلاق سراحها.

 

عن موقع “ميدل إيست أي” البريطاني، مترجم خصيصا لـ”عربي21“)

 

اترك تعليق