ولي العهد السعودي الجديد ليس رجل سلام، ولا هو برجل الدولة المحنك. وينتظر أن يحكم البلاد بالقبضة الحديدية، ويعتمد سياسات اقتصادية طائشة، وعلى الأرجح سوف يشعل المزيد من الحرائق في المنطقة أثناء سعيه لتحقيق أهدافه.
كما كان منتظرا، قرر الملك سلمان يوم الأربعاء ترقية ابنه الشاب محمد إلى ولاية العهد، بعد تنحية محمد ابن نايف، الذي ذكرت مصادر رسمية أنه طلب إعفاءه من واجباته كولي للعهد “لأسباب شخصية”.
كما قام الملك أيضا بتعديل بعض البنود ضمن النظام الأساسي للحكم، من أجل تمرير ولاية العهد بشكل عمودي من الأب إلى ابنه، واضعا بذلك الحد لولاية العهد التي كانت تمرر بشكل أفقي من الأخ إلى أخيه، والتي تم إرساؤها على يد مؤسس المملكة، الملك عبد العزيز ابن سعود في 1933.
وإلى حد الآن لم يتضح بعد سبب امتناع الملك عن تعيين ولي لولي العهد، كما جرت العادة في مثل هذه الظروف.
علاوة على ذلك، فإن السؤال المركزي والمهم الذي لم تتم الإجابة عنه لحد الآن؛ هو ما إذا كان الملك سيتنحى في وقت قريب، ليسمح لابنه بأن يصبح ملكا وهو ولا يزال حيا. ويشار إلى أنه تاريخيا لم يقم أي ملك سعودي بالتنحي عن طواعية، إذ أن الملك سعود تمت تنحيته في 1964 بعد محاصرته في قصره، ثم إرساله في رحلة آمنة إلى اليونان.
ودون صعوبات تذكر، صوت 31 من أصل 34 من الأعضاء الملكيين لهيئة البيعة؛ بالموافقة على تعيين محمد بن سلمان في منصبه الجديد.
ومباشرة عقب هذا الإعلان، نشرت وكالة الأنباء السعودية مقطع فيديو يظهر في الشاب محمد وهو يشكر ابن عمه نايف على تسليمه السلطة بشكل سلس ودون تعقيدات، وعبر له عن امتنانه من خلال محاولة تقبيل قدميه.
كما عين الملك عبد العزيز ابن سعود بن نايف، ابن أخ ولي العهد المتنحي وحفيد الأمير نايف المتوفى في سنة 2012، في منصب وزير للداخلية، لتتواصل بذلك سيطرة عائلة نايف على أهم وزارة، وهي المسؤولة عن الأمن الداخلي.
الترفيه والليبرالية الجديدة
هذا التعيين الجديد يحمل في طياته الكثير من المعاني بالنسبة لمستقبل المملكة، وهي جميعها متعلقة بضبابية الرؤية التي سترافق حكم محمد الذي يفتقد لصواب الرأي.
أولا؛ سيتم ترسيخ أسلوب القبضة الحديدية في الحكم، إذ أن محمد بن سلمان سيعمل على إسكات كل الأصوات المعارضة، بالتوازي مع ترك مجال محدود للحريات الفردية التي ستشرف عليها لجنة الترفيه الجديدة، التي أحدثها لتمكن السعوديين من الاستمتاع بشكل معتدل.
ومن الشائع في الأنظمة الدكتاتورية أن يتم السماح للرعيّة المهمّشة بالاستمتاع ببعض أنواع الترفيه المقنن، حتى لا يحدث انفجار داخلي. كما ستكون النساء رمزا جديدا للثقافة الاستهلاكية العصرية في المملكة، وقد يتم السماح لهن بقيادة السيارة في وقت قريب. وفي المستقبل سيتمكن السعوديون من الاستمتاع بدرجة محددة دون التعرض لمضايقات من قبل الشرطة الدينية.
وسيواصل محمد بن سلمان تجاهل المؤسسة الدينية الوهابية التي باتت مهمشة وفقدت مصداقيتها، ولكن مع تشتت السعوديين الذين كانوا قد التحقوا بصفوف تنظيم الدولة، وإمكانية عودة هؤلاء من سوريا، فإنه عليه أن يتوقع صعوبات كبيرة في أثناء وصوله لسدة الحكم.
فعندما تفكك تنظيم القاعدة في أفغانستان بعد 2001، قرر الكثير من السعوديين الذين ينتمون للتنظيم؛ العودة لبلادهم، وتسببوا بأسوأ الأزمات الأمنية التي عرفتها المملكة. وقد أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن عديد الهجمات في السعودية منذ 2015، إلا أن الطبيعة الطائفية لهذا التنظيم قد تصبح مفيدة لمحمد بن سلمان في صراعه المعلن مع إيران.
ثانيا؛ ستتواصل السياسات الاقتصادية الطائشة التي يعتمدها بن سلمان، والتي قد لا تحقق النموذج الاقتصاد الليبرالي الجديد والمرغوب، الذي يتضمن تخلص السعودية من تبعيتها لعائدات النفط مع حلول سنة 2020، وتقليص السياسات الاقتصادية الريعية المكلفة، وخصخصة المؤسسات الحكومية. والأهم من ذلك، هو طرح خمسة في المئة من أسهم شركة أرامكو النفطية الحكومية في الأسواق العالمية بحلول أيلول/ سبتمبر 2017.
وبذلك، فإن محمد بن سلمان صار بإمكانه أن يطالب السعوديين بشد الحزام، ثم في اليوم التالي بإمكانه أن يكافئهم على إذعانهم لقراراته عبر إلغاء قرار تجميد مرتبات القطاع الحكومي ومنحهم عطلة إضافية. وهذا ما يجعل نجاح المملكة في التحول إلى جنة حسب النموذج الليبرالي الجديد، توفر عدد أيام عمل أقل وإنتاجية أقل، أمرا يحتاج لمعجزة حقيقية.
خسارة الصراع الإقليمي
ثالثا؛ سيصارع محمد بن سلمان لتصبح بلاده قوة إقليمية حقيقية إلى جانب تركيا وإيران وإسرائيل، وهي الدول التي تقوم حاليا باستعراض عضلاتها في مسعى لفرض الهيمنة وتحديد نتائج عديد الصراعات الدائرة في العالم العربي. وقد قام بن سلمان سابقا بتحييد إيران وتركيا التي وقفت إلى جانب قطر في الأزمة الأخيرة، كما تعهد بنقل الحرب إلى العمق الإيراني، في تصريح يرقى إلى كونه إعلان حرب.
ولا يبدو أن محمد بن سلمان يفهم جيدا تبعات تصريحاته المتهورة. ولكن الصفة المشتركة بينه وبين تنظيم الدولة هي أن كليهما يتبنى نظرة طائفية، وبالتالي يمكن أن يحدث تعاون بينهما، خاصة بعد أن تنتهي طموحات التنظيم في سوريا والعراق. إذ أنه يمكن إصدار تعليمات لمقاتلي تنظيم الدولة بنقل عملياتهم الإرهابية للأراضي الإيرانية بعد أن يتم دحرهم في الموصل والرقة.
وربما يكون ابن سلمان قد حقق نجاحا في علاقته مع إسرائيل، التي باتت تعتبر السعودية البلد السني الأكثر حداثة، على خلفية سعيها لتشكيل تحالف إسلامي واسع ضد إيران وقطر. وسيتابع ابن سلمان تعاونه السري مع إسرائيل في القضايا الأمنية والاقتصادية، ولكن يجب أن لا نتوقع رؤية العلم الإسرائيلي يرفرف في الرياض في وقت قريب، إذ أن الإقدام على مثل هذه القرارات يتطلب بعض التحضيرات والتنسيق، والمخاطر التي قد ترافق هذه الخطوة المثيرة للجدل قد تكون عالية.
التقارب بين ترامب ومحمد بن سلمان
رابعا؛ سيواصل محمد بن سلمان تقربه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر توقيع عقود التسليح وإغداق الوعود بضخ الاستثمارات من أجل الحصول على الدعم الأمريكي، على الأقل في العلن. وعلى غرار محمد بن سلمان، فإن ترامب أيضا يعد شخصا لا يمكن توقع تصرفاته، والاختلافات بين الرجلين طفيفة جدا، إلا أنهما سيبقيان على هذا الاتفاق الظاهري بشكل ظرفي فقط، إلى حين تحقيق كل طرف لأهدافه على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ولا يبدو أن ولي العهد الجديد لديه وقت لتخصيصه لأوروبا حاليا، ولذلك سيواصل النظر للقارة العجوز على أنها مجرد وجهة سياحية لقضاء العطلات على متن يخته الذي اشتراه مؤخرا، بالإضافة إلى كونها مصدرا لشراء المزيد من السلاح الذي لا يمكنه الحصول عليه من جهات أخرى. وهذا سيعني أن الشركات المصنعة للسلاح في أوروبا والحكومات في بريطانيا وفرنسا ستتسابق من أجل الفوز باهتمام الأمير الشاب.
وربما يكون كلا البلدين قد خسرا مرشحهما المفضل لحكم السعودية، وهو الأمير محمد بن نايف، الذي نجح في الماضي في إقامة علاقات طيبة مع أجهزة المخابرات الغربية، التي كانت تعتبر دوره أساسيا في الحرب على الإرهاب. والآن ستكون رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في حاجة لولي العهد الجديد لتحقيق منافعها الاقتصادية، في وقت تواجه فيه بريطانيا خطر الانكماش الاقتصادي والسياسي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الحالي، تبدو مملكة سلمان في طور التشكل، في خضم تحولات حقيقية تشهدها البلاد على الصعيد الداخلي والمنطقة ككل. وربما لا يتعرض هذا التعيين الجديد لأي تحد من بقية الأمراء أو أي مجموعات داخل البلاد، ولكن المستقبل يبدو مليئا بالمشاكل.
ولا يعتبر محمد بن سلمان رجل سلام ولا هو رجل دولة محنك. فهو يعتقد أن المال فقط بإمكانه حل المشكلات، إلا أن هذا لم يمكّنه إلى حد الآن من تحقيق الانتصار في العديد من الحروب والصراعات التي أشعل فتيلها. وهو على الأرجح سيتسبب في اندلاع المزيد من الحرائق في المنطقة علاوة عن عجزه عن إطفاء تلك المشتعلة حاليا.
عن موقع “ميدل إيست آي” البريطاني
ترجمة: عربي21