يجتاح الجيش والجهاز الحكومي السعودي أكثر من تعديل، في السادس والعشرين من فبراير/شباط أصدر الملك سلمان مرسوماً ملكياً قرر بموجبه فصل أو ترقية أو استبدال العديد من كبار ضباط الجيش وموظفي الدولة ومستشاري الديوان الملكي ورؤساء البلديات والحكام المحليين.
مثل هذه التعديلات ليست غير مألوفة ولكن توقيتها يثير تساؤلات.
عامل الشعور بالرضى عن الذات
يجد النظام السعودي أنه في أمس الحاجة إلى الاستفادة إلى أقصى حد من عامل “الشعور بالرضى عن الذات” بينما تساور المراقبين الأجانب شكوك حول استقرار المملكة وحول الحكمة من كثير من التغييرات التي جرت مؤخراً، بما في ذلك الجدوى من حملة مكافحة الفساد والوعد بإنهاء الاعتماد السعودي على النفط.
يتعلق عامل الشعور بالرضى عن الذات بالإصلاحات الأخيرة مثل تعيين النساء في مناصب عليا ورفع الحظر الذي كان مفروضاً على قيادة النساء للسيارات، والسماح للنساء بحضور الحفلات الفنية والمباريات الرياضية، وآخرها دعوة النساء للتقدم لشغل وظائف داخل المؤسسة العسكرية.
لا يقصد من التغييرات الأخيرة اتخاذ تدابير تعد بتحقيق كفاءة أعظم ومحاسبة أكبر داخل الجهاز الحكومي وإنما التوجه نحو توزيع النخب المحلية على المناصب العليا، الأمر الذي سينجم عنه تضخيم الجهاز الحكومي، والذي هو أصلاً متضخم جداً.
يجد الملك نفسه مضطراً لتوسيع دائرة المستفيدين في الوقت الذي يشعر فيها الجميع بأنهم “موضع شك” من وجهة نظر الملك وابنه. ولذلك ثمة حاجة لاستبدال الحرس القديم بعناصر من الجيل الجديد حتى لا يشعر هؤلاء بأنهم يتعرضون للإقصاء والحرمان من فرص الإثراء والوجاهة.
والنظام الآن مضطر لأن يجري تعديلات في المناصب العليا في الدولة من خلال ترقية البعض وفصل البعض الآخر، وذلك في خطوة يائسة تستهدف إيجاد قاعدة من الموالين الذين أصبحوا يشعرون بأن لهم نصيب داخل الحكومة.
كما شعر الملك بأنه مضطر لأن يعين امرأة في منصب نائب وزير، تماماً كما فعل الملك عبد الله قبيل وفاته عندما عين عنود الفايز نائباً لوزير التعليم، والتي ما لبث أن فصلها من وظيفتها الملك سلمان عندما جلس على العرش في عام 2015.
ورقة الجندر
لا يشذ القرار الأخير بتعيين تماضر الرماح نائباً لوزير العمل والتنمية عن النمط السابق في تعيين امرأة في مثل هذا الموقع ثم فصلها من وظيفتها في وقت لاحق.
ومع ذلك كان التعيين كفيلاً بإثارة حالة من الحماس في الأوساط الإعلامية السعودية والأجنبية حول تعيين “رمزي” نُظر إليه على أنه تمكين للمرأة ومؤشر على تغيير ثوري من الأعلى إلى الأدنى.
جاء هذا التعيين الأخير لامرأة في منصب رفيع مباشرة بعد الإعلان عن دعوة النساء للتقدم لشغل وظائف داخل المؤسسة العسكرية كجنود في ظروف مقيدة.
من الجدير بالذكر أن النساء يعملن داخل المؤسسات الأمنية وفي أجهزة المخابرات السعودية، ويشير كثير من السعوديين إلى أن هؤلاء النسوة يتقاضين رواتب سخية ضمن نظام تعويضات يعرف ببدل السمعة.
وللمرء أن يتساءل ما الذي يفعله هؤلاء النسوة فينال من سمعتهن ويتطلب تعويضهن بدفعات مالية سخية.
بات اللعب بورقة الجندر أمراً مهماً في الوقت الذي يخضع تعهد المملكة العربية السعودية بتمكين النساء للاختبار من قبل الوكالات الأجنبية مثل الأمم المتحدة والشركات العالمية ووسائل الإعلام الغربية.
يجد النظام السعودي نفسه في أمس الحاجة إلى جذب المستثمرين الأجانب الذين يحرصون بشكل عام على توظيف النساء السعوديات أكثر مما يحرصون على توظيف الرجال السعوديين.
ومع ذلك لا يعني جذب النساء للانتساب إلى المؤسسة العسكرية أننا سنرى قريباً مجندات يحرسن الحدود الجنوبية للسعودية مع اليمن أو يتجولن في شوارع الرياض، ناهيك عن أن يقمن بحراسة العائلة الحاكمة أو المرافق النفطية الحساسة.
لربما ظلت مثل هذه المهام مقتصرة حصرياً على لواء أجنبي مرتزق يتكون من ألف من الجنود الباكستانيين الذي تم إرسالهم مؤخراً إلى المملكة العربية السعودية بعد مرور ثلاثة أعوام على انتظار وصولهم.
السياسة والممارسة السعودية
لقد أثبت الجيش السعودي أنه غير قادر على تحقيق الانتصار على ما كانوا يوصفون بالبلطجية الحوثيين على الجانب الآخر من الحدود داخل اليمن. فهل سيتمكن رئيس الأركان الجديد من إنجاز النصر الأخير المرتقب في هذه الحرب التي تدور رحاها مع الحوثيين منذ ثلاثة أعوام؟
يبدو أن حرب اليمن باتت عصية على الكسب، فالغارات الجوية لم تنجح إلا في تدمير بلد فقير ولن ينجم عنها تحقيق السلام أو الاستقرار. بل من المرجح أن تتوقف الحرب من خلال تسوية سياسية وليس بفضل القنابل التي تلقى على رؤوس الناس داخل البلاد.
شملت التغييرات الأخيرة تعيين أبناء الجيل الجديد من الأمراء حكاماً على الأقاليم. وهذه ممارسة لم تنقطع منذ إقامة الدولة السعودية، وفيما عدا استثناءات محدودة جداً، يأتي جميع الحكام المحليين في الأقاليم من داخل العائلة الملكية الحاكمة.
يمنح الأمراء المحليون ميزانيات لينفقوها على التنمية المحلية. إلا أن هذه المناصب ما هي سوى فرص يستغلها الأمراء ليصبحوا حكاماً على سكان الأقاليم، وهؤلاء بدورهم لا يحظون بأي تمثيل في الإدارة لا من خلال مجالس منتخبة ولا من خلال سلطات محلية.
ومع ذلك لا تتساوى هذه الأقاليم من حيث المكانة والأهمية. فعلى سبيل المثال منصب حاكم الرياض، وهو المنصب الذي شغله الملك سلمان لعدة عقود، منصب مهم لا يمكن مقارنته بمنصب حاكم إقليم ناء مثل الجوف في شمال البلاد أو نجران في جنوبها، لا من حيث الامتياز ولا من حيث الثروة ولا من حيث النفوذ.
ففي المناطق النائية تلك يفصل الملك أميراً وينصب مكانه أميراً آخر لضمان إشراك الحكام المحليين في المنظومة الحاكمة، فيصبحون بذلك على استعداد للدفاع عنها بعد أن باتوا مستفيدين منها، وإن كان تعيين المرء أميراً على إقليم ناء أقرب إلى النفي منه إلى المكافأة.
ومع ذلك يبقى ذلك أفضل حالاً من الإقصاء الذي ينتهي بالأمير في حال من السخط على الهامش محروماً من الأبهة والنفوذ والمال.
من غير المحتمل أن تتمكن مثل هذه المراسيم الملكية من إحداث ثورة في السياسة والممارسة السعودية، فهي تُفرض على شعب لا يملك حق الانتخاب ولا يجد سبيلاً للإنصاف ولا وسيلة للتعبير عن إرادته.
لا يملك أي موظف الاحتجاج ضد قرار فصله من عمله ولا يستطيع شخص عادي ولا أمير من الأمراء تفسير لماذا يتم ترقية شخص ما ليصبح واحداً من أكثر أعضاء دائرة النفوذ الداخلية ثقة.
للمراسيم الملكية منطق خاص بها، والأغلب أن ذلك يتعلق بالرغبة الجامحة في إحكام القبضة على السلطة وتقويض أي محاولة للتمرد أو المعارضة وتوليد الولاءات المستمرة. ولا يستوعبها سوى أولئك الذين يساعدون الملك في اتخاذ القرار الخاص بمن ينبغي عليه فصله من عمله أو ترقيته في منصبه.
ولا يملك المسؤول المفصول من عمله سوى أن يأمل في الحصول على تقاعده بعد أن اقتلع من موقعه بينما يستمر من بقي من موظفي جهاز الدولة في الأمل بأن يحصلوا في يوم من الأيام على ترقية يصبحون بسببها وزراء في الدولة، حيث أن منصب الوزير هو أعلى وأكثر ما يمكن أن يرغب فيه أعضاء النخبة السعودية من الذكور، وربما من النساء أيضاً.
ترجمة “عربي21” عن موقع ميدل ايست آي