الرئيسية مقالات الربيع العربي: اسئلة الماضي… اجوبة المستقبل

الربيع العربي: اسئلة الماضي… اجوبة المستقبل

by admin

بعد عامه الاول يبدو الربيع العربي وكأنه لا يزال في بدايته حيث لا توجد اي مؤشرات تجعلنا نقتنع انه سيتوقف عند حدود هذه الدولة او تلك اذ انه فتح صندوق العجائب العربي والذي غلفته عقود من الصمت والقمع فما ان برز ثقب صغير حتى اندلعت شرارات التحول وبدأت تنتقل من بلد الى آخر. ولا بد لنا من وقفة تأملية امام هذا الزخم من الاحداث المتسارعة والمتضاربة تتقدم تارة وتتأخر وتتراجع تارة اخرى اتت هادئة وعاصفة محملة بالامل والتطلع الى المستقبل كذلك جاءت دموية عنيفة راح ضحيتها الكثيرون.

 

يمكننا ان نحدد هذه الوقفة التأملية بعدة محاور. اولا اشتراك كل الدول العربية بأنظمة اسرية متشعبة تغلغلت في مفاصل السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية حتى اصبحت الدولة عائلة وفضحت احداث الربيع العربي ليس فقط الجمهوريات المنكوبة بل ايضا الملكيات المراوغة والتي صورت نفسها وكأنها بؤر استقرار وازدهار ولحمة بين اسر حاكمة وشعب كبير. اثبتت هذه الانظمة بشقيها الملكي والجمهوري تحولا جذريا من حكم الفرد المتسلط والذي ارتبط وجوده بمرحلة الستينات والسبعينات الى مرحلة حكم الاسرة والعشيرة ومن يلف حولها فالعسكري او الملك في مرحلة سابقة كان شخصا لم يتمكن بعد من تطوير حلقة كبيرة من الموالين والمنتفعين فذهب هؤلاء دون ان يتركوا امبراطوريات اقتصادية كالتي تركها حكام الاسر في المرحلة الحالية. فضح الربيع العربي الفساد الاقتصادي لهذه الاسر المتشعبة حيث الزوجة والابن والعم والاخ يجتمعون مع حلقات كبيرة من المتمكنين والذين ارتبط وجودهم وتمكنهم بولاء لهذه الاسر. ثانيا: نقطة تأملية مفصلية فضحها الربيع العربي تنطلق من كون كل حكام العرب المخلوعين والمتبقين ارتبطوا بعلاقات حميمة مع الغرب وهذا لا ينطبق فقط على الرؤوس المعروفة في الجمهوريات والملكيات بل ينطبق ايضا على الذين تبنوا شعارات الرفض والمعاندة حيث تبين انهم في ايامهم الاخيرة كانت قد تمت عمليات اعادة تأهيلهم واعادتهم الى الحظيرة الغربية من اجل التعاون الاقتصادي والعسكري والاستخباراتي والمصالح المشتركة. وفي مجملهم رغم بعض الاختلافات الجزئية كانوا لا يحكمون الا بتقنية الآلة العسكرية المتقدمة ونصائحها الاستخباراتية والدعم الاقتصادي والاستشارات وقنوات التعاون المكشوفة والمستورة التي قدمتها حكومات غربية طيلة عقود طويلة.

 

من هنا نقطتنا التأملية الثالثة والتي تطرح مصير مثل هذه العلاقات القديمة ومدى استمراريتها بعد الربيع العربي عن طريق الشرائح السياسية الجديدة والتي تأتي عن طريق الانتخاب او تعيينات المراحل والمجالس الانتقالية. نستطيع ان نستشرف المرحلة المقبلة من خلال اهمية المنطقة العربية استراتيجيا واقتصاديا فهي ليست منطقة نائية معدومة الموارد وفيها من الايديولوجيات والقضايا العالقة كالبطالة والفقر والهجرة بالاضافة الى النفط والغاز والمعادن وفرص الاستثمار ما يجعلها غير قادرة على التملص من الهيمنة والتي تبدو اليوم وكأنها عادت الى مرحلة الحرب الباردة بين الثلاثي الامريكي ـ البريطاني ـ الفرنسي من جهة والثنائي الروسي ـ الصيني من جهة اخرى. مما يجعل المنطقة العربية ساحة قديمة متجددة لصراعات القوى الكبرى على ارضها. رابعا: فتح الربيع العربي ملف القوى الاقليمية التي تلعب وتتلاعب بافرازات الربيع العربي وهنا تبرز عدة محاور اهمها المحور التركي والايراني والسعودي والقطري حيث يتصارع هؤلاء على مصادرة الربيع العربي من منطلق مصالحه وحربه غير المعلنة مع جيرانه. ومن الافرازات العجيبة الغريبة تصدر انظمة لا تعرف معنى او ممارسة الديمقراطية على ارضها واحتكارها للمراتب العالية في ملفات انتهاك حقوق الانسان والحريات الدينية والسياسية حسب معايير دولية معروفة لمشروع الترويج لربيع عربي تفضل ان لا يتقدم باتجاه حدودها وان لا يهب نسيمه العليل في صحرائها القاحلة وان قدر لهذا النسيم ان يهب فتسارع هذه الانظمة الى تحويله الى ريح خماسين حارقة او ‘سموم’ ملتهبة، هذه النقطة ترتبط بالتحول التاريخي الذي شهده العالم العربي منذ السبعينات حيث صناعة الحدث هاجرت من المنطقة المعروفة بالصدارة الفكرية والسياسية الى منطقة ناشئة تتصرف بأسلوب الاثرياء الجدد ومنطقهم.

 

اما تركيا الناشئة اقتصاديا حاولت في بداية الربيع العربي ان تتحول الى نموذج يحتذى سياسيا واقتصاديا لكن تبقى التجربة التركية تجربة فريدة ليس من السهل استنساخها حرفيا في البيئة العربية لانها اقترنت بتجربة تاريخية قديمة ومؤسسات عسكرية وتيار اسلامي تركي ربما لا يمكن تصديره او استيراده عربيا بسهولة خاصة وان الساحة العربية الاسلامية تنطلق من مسلمات بعيدة عن نظيرتها التركية رغم وجود بعض المحاولات للاستفادة من التجربة التركية في المنطقة العربية. ويبقى اللاعب الايراني محاولا لان يتحول الربيع العربي الى امتداد للصحوة الايرانية وثورتها لكن هذه الثورة بقيت وحيدة لانها هي ايضا ارتبطت بخصوصية ايرانية شيعية وليس من المعقول او الممكن استنساخها في بيئة عربية. ومهما كثرت النماذج وتعددت الايدي الجاهدة في اقتناص فرص قد جاءت مع الربيع العربي الا ان النهاية دوما ستكون في مصلحة الشعوب العربية ان هي انتقلت الى حكم ديمقراطي يكون فيه التمثيل السياسي الحقيقي حصنا ضد التدخل العالمي والاقليمي حيث يضع هؤلاء المصلحة القومية لمجتمعهم فوق مصالح الدول الخارجية او المصالح الفئوية للنخب الحاكمة.

 

ويبدو ان تطور المؤسسات الديمقراطية السياسية هو وحده الكفيل لخروج المنطقة من دوامة الهيمنة وتحررها من عقود التبعية التي انهكت شعبها ومواردها لكن ان لم يقترن هذا بنمو اقتصادي حقيقي فستظل الديمقراطية مشروعا عقيما قاصرا على تثبيت السيادة. فالديمقراطيات المنهكة اقتصاديا الفقيرة بانتاجها هي التي تتعثر وتفتح الباب للتدخل الخارجي من طرفين اولا مؤسسات النقد العالمية وثانيا الدول الطامعة لمصالح وتوسع اقتصادي في محيطها وجوارها. فالديمقراطية بدون اقتصاد قوي يلبي حاجات المجتمع شعار خلاب يتهاوى على ارض الواقع ويختطف بنفس السرعة التي جاءت به. التأمل الاخير والمهم ربما لا نجد له اجابة الا في المستقبل وهو يتعلق بسؤال وجيه. هل تقف رياح الربيع العربي عند حدود الجمهوريات ام انها ستنتقل الى الملكيات والتي تنقسم الى قسمين ملكيات ثرية ريعية تعتمد على النفط والغاز وملكيات فقيرة تعتمد على المساعدات الخارجية. ومهما اختلفت مصادر الدخل الا ان رياح التغيير ستطال هذه الكيانات المختلفة بمؤسساتها وحراكها ومجتمعها المدني وتاريخها. وهناك ثلاثة كيانات على الاقل ستنتقل فعليا الى مرحلة اكثر تطورا وهي مخولة لان تقترب من الحكم الديمقراطي قبل غيرها بسبب حياتها السياسية وتجربتها القديمة وهي البحرين والكويت والاردن في المشرق العربي والمغرب في الجهة الاخرى.

اما البقية المتبقية من الملكيات العصية وعلى رأسها السعودية فسيكون انفجارها مدويا لانها ترفض ان ينفتح الخير السياسي تدريجيا ويستوعب بعض الممارسات الديمقراطية وتظل تحكم بتأجيج الانقسام الشعبي الطائفي والقبلي والمناطقي والفكري وتحارب اي مطالب سياسية دستورية او تلك التي تصبو الى المشاركة الشعبية من خلال برلمان منتخب وحكومة غير معينة كما هو الحال الآن. وان تأخر الربيع العربي في السعودية فهذا ليس لان الشعب رضي بالمكرمات الملكية وأجل المواجهة لكن هذا نتيجة فرض قيود تكبل الحراك الوطني وتجرم العمل السياسي السلمي ومثل هذه القيود لا مثيل لها حتى في الجمهوريات العربية البائدة ففي اسوأ ايام حكم مبارك كان المصريون يتمتعون بحريات لا زالت معدومة في الداخل السعودي فالانتخابات المزيفة التي كان يتباهى بها مبارك وحزبه مرنت الشعب المصري على مواجهة اكذوبة النظام بينما في السعودية نجد القمع واستئصال الحراك السلمي يتطور دون مواربة او حتى اكذوبة تغطيه. القمع المفضوح عطل طاقات ونفى الحراك من قاموس الكثيرين في السعودية واجل رياح الربيع العربي واكثر ما يهدد المستقبل في هذا البلد هو انفجار العنف والعودة الى دوامته خاصة وان النظام يصر على تجريم الحراك السلمي السياسي مما يجعل خيار العنف مطروحا كوسيلة للتغيير نتيجة انسداد افق العمل السياسي المدني.

ومنذ عام 1927 شهدت الساحة السعودية موجات عنف لم يتعلم منها النظام اي درس سوى دروس العنف المضاد كوسيلة لاستيعاب موجات الغضب السابقة.

ورغم تحول بعض الشرائح السعودية الاجتماعية والسياسية الى خطاب حقوقي مدني سلمي الا ان تعنت النظام واصراره على الحلول الامنية واتهاماته لهذه الشرائح بالارهاب واثارة الفتن قد يجعل البعض ينأى بنفسه عن الانخراط في تيارات سلمية ويلجأ الى خيارات العنف. ستبقى تأملات الربيع العربي في سنته الاولى مرهونة بأثقال الماضي الذي انهك الشعوب وربما بعضها وتبقى معلقة في اطياف المستقبل وما يخبئه للمنطقة.

اترك تعليق