يفضل الحاكم السعودي إبقاء العلاقات مع إسرائيل تحت الطاولة، ولكنه ملعون لو انضم إلى الإمارات وملعون لو لم يفعل.
عاجلا أم آجلا كان سيجري التوقيع على اتفاق إبراهيم بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. سوف تتمخض اتفاقية السلام التي وقعت بين البلدين يوم الثالث عشر من آب/أغسطس عن رفع العلم الإسرائيلي في أبوظبي، أما في الرياض، فسوف يؤجل ذلك بينما يفضل الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد النفاق والسرية على الانفتاح والشفافية.
وذلك لأن القيادة السعودية تفضل علاقات من تحت الطاولة مع إسرائيل، تريدها أن تبقى مخفية عن مرأى الجمهور ومسمعه. لربما لا يرغب الملك الهرم في إنهاء عهده بخطوة مثيرة للجدل. ولكنه سيلعن لو فعل، وسيلعن لو لم يفعل.
تخلق اتفاقية سلام الثالث عشر من آب بين إسرائيل والإمارات تحديا آخر للمملكة. فكما هو حال الإمارات العربية المتحدة، احتفظت المملكة العربية السعودية بمستوى متدنٍ من علاقات ما وراء الكواليس مع إسرائيل، سرعان ما تكثفت في عهد سلمان. وكانت تبرر تلك العلاقات بالحاجة إلى التعاون ضد عدو مشترك، هو إيران. وكان من المفروض أن يعزز التعاون العسكري الإسرائيلي، وخاصة في مجال المراقبة والتكنولوجيا، أمن المملكة العربية السعودية.
صمت ونفاق
ولكن مازال ينتظر أن يخرج محمد بن سلمان إلى العلن بهذه المبادرات السرية، التي لا تناقش ولا يجري بشأنها حوار داخل المملكة العربية السعودية. يعرف معظم السعوديين عن مستوى التعاون بين الطرفين من خلال ما تعلنه إسرائيل وتنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية.
في الأيام التي تلت الإعلان عن اتفاق السلام، تعاملت المملكة العربية السعودية مع تحدي تطبيع الإمارات العربية المتحدة مع إسرائيل بالتزام الصمت. فقط يوم التاسع عشر من أغسطس / أب أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أن المملكة تبقى ملتزمة بخطة السلام العربية لعام 2002 ولن تسارع إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
من غير المحتمل أن يقدم محمد بن سلمان في المستقبل القريب طواعية على اقتفاء آثار مرشده وحليفه المقرب في أبو ظبي، ولي العهد محمد بن زايد. وبدون ضغط جاد من قبل الرئيس دونالد ترامب، سيبقى مترددا في المسارعة إلى إبرام اتفاق سلام في هذا الوقت.
قد لا يرغب الملك سلمان في أن يرتبط اسمه بالتنازل تماما عن حقوق الفلسطينيين، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار الطبيعة المثيرة للخلاف لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بدون اعتبار جاد لخطة السلام السعودية العربية الأصلية، التي كان ينبغي بموجبها أن تصبح القدس عاصمة لدولة فلسطينية، يضمن قيامها العودة إلى حدود عام 1967 بين إسرائيل والفلسطينيين.
لو اختار الملك التزام الصمت وتجاهل المبادرة الإماراتية، فسوف يسخط عليه وليه الأكبر في واشنطن، ترامب وصهره جاريد كوشنر، اللذان أثبتا كلاهما دعمهما وولاءهما خلال السنوات الأربع الماضية.
يُشك في أن يعي ترامب لماذا تقاوم المملكة العربية السعودية الخروج إلى العلن بعلاقاتها السرية مع إسرائيل، تلك العلاقات القائمة منذ وقت طويل، وذلك أن ترامب لا يفهم تماما الرأي العام السعودي بل ولا يعيره أدنى اهتمام. لو انصاع الملك للضغط، فإنه سيقدم خدمة عظيمة لترامب في واشنطن ولنتنياهو في إسرائيل. فكلا الرجلين يناضل من أجل البقاء في خضم أزمات سياسية محلية بالغة الخطورة.
الرأي العام السعودي
حتى الآن، لم يرحب كثير من السعوديين بالاتفاق. في الواقع، وكما هو الحال دائما، لجأ البعض إلى السوشال ميديا ليندد به وليؤكد دعمه لحقوق الفلسطينيين، حيث إن الاتفاق ينظر إليه على نطاق واسع بأنه ينال من تلك الحقوق.
وفيما لو تجاهل الملك وابنه الرأي العام السعودي، الذي مازال معارضا للتطبيع مع إسرائيل بدون اعتبار جاد لحقوق الفلسطينيين في دولة، وفيما لو سارعا إلى اللحاق بالإمارات، فسوف ينالهما السخط كذلك.
ليس واضحا كيف سيتفاعل السعوديون مع الأمر. قد لا ينتقد الصحفيون والكتاب الإمارات بشكل مباشر، فذلك من المحرمات، وقد ينتهي الأمر بمن ينتهكها في السجن. والأمر نفسه ينطبق على تأييد القضية الفلسطينية بشكل علني من خلال المظاهرات أو التعبير عن الرأي، فذلك أمر يجلب على صاحبه ما لا تحمد عقباه وعادة ما يقود إلى الاعتقال.
في الصحافة الرسمية، يتم التعامل مع ما يسمى الاتفاق التاريخي كما لو كان اختراقا، ولا تجد من يجرؤ على تقديم تحليل نقدي لبنود الاتفاق، وفي الوقت نفسه لا تجد من يشيد به بشكل صريح.
يعزو معظم المعلقين السعوديين الاتفاقية إلى أن الإمارات العربية المتحدة تمارس سيادتها، وبذلك يغلق الباب تماما على أي حوار مفيد حول بنود الاتفاق وشروطه، أو حول ما يعنيه للفلسطينيين بشكل عام.
حيرة وصمت
ولكن، هناك أقلية صغيرة من السعوديين الذين لا يتورعون عن الإشادة بشجاعة الحكومة الإماراتية والإعلان عن أن اتفاقها الجديد يمهد الطريق لإقامة سلام دائم. ومن هؤلاء تركي الحمد، المفكر السياسي والروائي السعودي الشهير، الذي أعلن عبر تويتر أن فلسطين ليست قضيته.
ولكننا لم نسمع بعد من يقول عبر وسائل الإعلام السعودية؛ إن المملكة العربية السعودية ستكون الدولة الخليجية التالية التي توقع اتفاقا مع إسرائيل، بل معظم المعلقين يخمنون بأنه من غير المحتمل أن تلحق المملكة العربية السعودية في المستقبل القريب. فالحيرة والصمت هما العنصران المشكلان للاستراتيجية السعودية التي تنتهج من أجل فض الأزمة.
يعلم الملك وابنه علم اليقين أنهما سيلعنان لو سارعا إلى التطبيع مع إسرائيل، ولذلك فإن الخيار الأفضل أمام الحكام السعوديين هو التزام الصمت إزاء خطة مثيرة جدا للجدل، وقد تكون القاضية على إرث الملك.
(مترجم خصيصا لـ”عربي21″، عن موقع “ميدل إيست آي” البريطاني)