ما لبثت المملكة العربية السعودية مكشوفة الظهر، ومن شأن حرب تنشب بين الولايات المتحدة وإيران أن تزيد من انكشافها
تورطت المملكة العربية السعودية وإيران كلتاهما في عشين من أعشاش الدبابير في العالم العربي، أما الأول فهو في اليمن وأما الثاني فهو في العراق.
لا تملك أي منهما القدرة على الخروج من ذلك المأزق دون أن تخسر قدراً كبيراً من النفوذ ودون أن تقوض الأساس نفسه الذي تقوم عليه شرعيتها. في نفس الوقت، تواجه كلتاهما تياراً متصاعداً من الاحتجاج ضد تسلطهما في البلدين، واللذين يحظيان بتاريخ طويل من مقاومة المحتلين.
انخراط الولايات المتحدة في الصراعين – من خلال دعم الحرب السعودية في اليمن وتمكين النفوذ الإيراني في العراق – يورطها في صراعات إقليمية لا قبل لها بالسيطرة عليها، فالولايات المتحدة عاجزة عن حل تلك الصراعات الإقليمية الملحة وعاجزة في نفس الوقت عن إدارتها.
مهام لم تكتمل
في خضم التصعيد الأخير ومخاطر نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران، ظلت المملكة العربية السعودية حتى الآن مترددة، ربما حذراً من أن يتم جرها دون أن تكون على استعداد لذلك نحو حرب خليجية جديدة تنشب على أعتابها.
وبينما قد تكون الرياض سعيدة باغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني وكذلك باللغة الصدامية بشكل مضطرد بين الولايات المتحدة وإيران، فلابد أنها قلقة من احتمال نشوب حرب جديدة قد تمتد ألسنتها لتصل حقول نفطها وما بعدها – كل ذلك والمملكة ماتزال قاصرة عن إنهاء المهمة التي من أجلها شنت الحرب على اليمن.
بينما يبدو وارداً أن تنشب حرب منخفضة الشدة داخل العراق بين الولايات المتحدة وإيران، مازالت ورطة المملكة العربية السعودية في اليمن تنتظر الحل بشكل يخدم مصالح المملكة.
باتت عودة الأمور إلى طبيعتها في اليمن، حيث تنصب الرياض على الحكم في صنعاء نظاماً مواليا لها، بعيدة المنال، فقد أحكم الحوثيون سيطرتهم على مساحات واسعة من البلاد، الأمر الذي يشكك في إمكانية أن يتحقق نصر مؤزر للمملكة العربية السعودية في هذه الحرب التي انطلقت قبل خمسة أعوام على شكل استعراض للقوة من قبل ولي العهد الشاب والطموح.
كما بات من غير المؤكد ما إذا كان بإمكان المملكة العربية السعودية خوض حربين في نفس الوقت. فقدرات المملكة لا تتحمل شن حرب تقليدية ضد إيران فيما لو قررت تلك الأخيرة مهاجمة حقول النفط في المملكة وتعطيل صادراتها النفطية أو إثارة القلاقل داخل البلاد.
فلقد كشف أداء المملكة العربية السعودية في اليمن عن أن إمكانياتها، وخاصة فيما يتعلق بسلاح الجو، يمكن أن تنشر الخراب والدمار بشكل عشوائي، وهذا يختلف تماماً عن الانتصار في الحرب.
سوف تضطر القيادة السعودية إلى إعلان دعمها المطلق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما لو قرر الاستمرار بحماقة في التصعيد مع إيران. وفيما لو وقعت الحرب، فإن الرياض ستكون لا مفر واحدة من قواعد الانطلاق ومراكز التمويل لمغامرته، في وقت أضحت ثروة المملكة النفطية المتناقصة فيه خاضعة لتقلبات أسعار السوق.
الموارد الناضبة
فيما لو نجح ترامب في الإطاحة بالنظام الإيراني – رغم أن ذلك مستبعد – فسوف يغدو في أعين أنصاره بطلاً وسيسجل اسمه في التاريخ بكونه الزعيم الأمريكي الذي فكك نظام الجمهورية الإسلامية. ولكن ما الذي سيحدث للمملكة العربية السعودية في مثل هذا السيناريو المستبعد؟
لن تكون الرياض آمنة، حتى لو سقط النظام الإيراني على أيدي ترامب. فإذا ما أخذنا بالاعتبار السياسة الخارجية الرعناء التي ينتهجها هذا الأخير، فقد تصبح المملكة العربية السعودية هدفه التالي. فبعد أن حلب آخر دولار منهم، لن يبقي لدى ترامب أدنى ود تجاه النظام السعودي والذي يعني له شيئاً واحداً لا غير، ألا وهو الثروة – ولكن حتى هذه باتت الآن تنضب بسبب الخطط الاقتصادية الطموحة التي ماتزال بانتظار أن تؤتي يوماً أكلها.
ما من شك في أنه سوف يتم التخلي عن النظام السعودي كما فعل ترامب من قبل مع بعض حلفائه المقربين الآخرين (مثل الكرد)، وذلك بعد أن يتم إسقاط النظام الإيراني. ومن ثم، سوف تضطر الرياض للبحث عن تأمين للنظام في ظروف جديدة بدون الحماية الأمريكية التي طالما استمتعت بها منذ الحرب العالمية الثانية.
ينبغي أن تقلق المملكة العربية السعودية بسبب مقاربة ترامب التعاملية مع السياسة الخارجية وينبغي أن يفقدها ذلك أي حماسة استجمعتها بعد اغتيال سليماني. فالعواقب غير المقصودة لتغيير النظام في إيران يمكن أن تنجم عنها كارثة للنظام السعودي.
بالإضافة إلي ذلك، ونظراً لحرمانه من العدو الأجنبي المتوهم الذي يُبقي على لغة الخطاب السعودي القومجي، سيجد النظام نفسه غير قادر على الاستمرار في إسكات الأصوات الناقدة له. وبذلك لن يضمن بقاء الشعب مسانداً لنظام يخفق في إدارة سياسة خارجية إقليمية معقولة بينما يعجز عن توفير العطايا المجزية لرعاياه.
خيار صعب
إذا بدأت الصواريخ الإيرانية تنهال على الأهداف السعودية، فسوف يواجه ولي العهد خياراً صعباً. إذا ما التزم الصمت فسوف يُستذل في أعين قاعدته الشعبية. وهذا ما حصل فعلاً عندما ضربت الصواريخ حقول النفط السعودية في العام الماضي وعطلت صادراته لعدة أسابيع. ولكن، فيما لو انضم إلى الحرب، فسوف يحول أراضي بلاده إلى ساحة معركة مفتوحة وقد تفلت الأمور منه ولا يتمكن من وقف تدهورها.
يمكن لمثل هذه الخيارات الصعبة أن تحسم فقط فيما لو تم فصل الصراع الأمريكي مع إيران عن باقي القضايا الإقليمية الأخرى، والتي هي بحاجة ملحة إلى حوار صريح ونزيه بين المملكة العربية السعودية وإيران.
تحتاج المملكة العربية السعودية إلى تبني موقف محايد في الأزمة الأمريكية الإيرانية، والتي تعود إلى العام 1979 ومازالت تلقي بظلالها على أي جهد دبلوماسي يستهدف إحداث تقارب بين الإدارة الأمريكية الصقورية وقوة إقليمية تواجه نظام عقوبات صارم. ليس من مصلحة الرياض التورط في دورة الانتقام والانتقام المضاد بين إيران والولايات المتحدة.
قد لا يكون البقاء على الحياد خياراً سهلاً أو ممكناً بالنسبة للنظام السعودي، وخاصة في ضوء دعمه للرئيس ترامب واعتماده على رعايته. كما أنه من غير المحتمل أن يتمكن ولي العهد السعودي من النأي بنفسه عن أي عدوان أمريكي ضد إيران.
ولكن فيما لو رغب ولي العهد في تجنب حرب قد يتم فيها تحديد مصيره، فإن عليه أن يبقى خارج لعبة أكبر وأخطر بكثير مما يظن. ما لبثت المملكة العربية السعودية مكشوفة الظهر، ومن شأن حرب تنشب بين الولايات المتحدة وإيران أن تزيد من انكشافها.