إذا كان المساعد السابق لمحمد بن سلمان قد لقي حتفه بالسم، فما الذي يخبرنا به ذلك عن ولي العهد وجمال خاشقجي؟
مازال الغموض يكتنف اختفاء سعود القحطاني، أحد أهم أعوان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرجل الذي يقال إنه ضالع في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول قبل أحد عشر شهرا.
منذ أن طرد القحطاني من منصبه بعد الجريمة مباشرة لم يظهر على الملأ كما لم تظهر له أي مدونات في مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أنه كان قبل ذلك معروفا بمشاركاته الكثيرة.
في الثامن والعشرين من آب/ أغسطس، غرد إياد البغدادي، الفلسطيني المعروف بانتقاده للنظام السعودي، من منفاه في أوسلو قائلا إنه تلقى “أنباء من مصدر موثوق تفيد بأن سعود القحطاني لقي حتفه بالسم الذي دُس له بأمر من محمد بن سلمان.” وقال البغدادي إنه لا يمكنه كشف المزيد عن هذا المصدر الذي جرب صدقه على مدى ما يقرب من عام.
ميت أم حي يرزق؟
وكانت المخابرات النرويجية قد قامت قبل شهرين اثنين بوضع البغدادي نفسه تحت الحماية بعد أن أرسلت وكالة المخابرات الأمريكية تحذيرات بأن حياته قد تكون في خطر، حيث أنه ربما يكون مستهدفا من قبل عناصر تابعة للنظام السعودي.
حتى الآن لم يتسن تأكيد ما ورد في سلسلة تغريدات البغدادي حول تعرض القحطاني للقتل سما من قبل طرف ثالث، ولكن في نفس الوقت لم يصدر لا عن القحطاني ولا عن النظام السعودي تصريح يؤكد أنه لازال على قيد الحياة أو أنه فعلا قد قضى نحبه.
رغم ما يُشتهر عن الطغاة من ولع بقتل نقادهم ومعارضيهم إلا أنهم مولعون بنفس الدرجة بقتل أقرب مقربيهم، وخاصة أولئك الذين يساعدونهم في التخلص من ألد خصومهم. بل إن من الطبيعي أن تقدم الأنظمة التي لا تجد من يحاسبها على قتل أعوانها الذين تخشى أن يبادروا إلى فضح دسائسها والكشف عما تمارسه من بلطجة، حيث يتحول هؤلاء الأعوان إلى أكباش فداء يضحى بهم لإنقاذ الرؤوس الأكبر من التعرض لأي محاسبة أو مساءلة.
لا يوجد دليل قاطع
في غياب دليل قاطع على أن القحطاني ما زال على قيد الحياة أو ربما في حالة من التخفي، لا يمكننا افتراض أن ما ورد في تغريدات البغدادي مجرد افتراء أو أنه يجافي ما هو وارد وممكن.
إن لدى محمد بن سلمان عددا من الأسباب التي تدعوه إلى إخفاء القحطاني من على وجه المعمورة، وذلك أن اسمه لم يقترن فقط بفضيحة جريمة قتل جمال خاشقجي بل وبعدد من الدسائس الأخرى التي لا تقل قبحا ولا جرما.
وكان القحطاني قد طرد من المناصب المتعددة التي كان يشغلها في منظومة الحكم التي يديرها محمد بن سلمان، ومنذ جريمة قتل جمال خاشقجي لم يظهر في أي من وسائل التواصل الاجتماعي، ذلك الحيز الذي طالما كان ناشطا فيه.
وقد ورد اسم القحطاني في عدة تقارير كأحد العقول المدبرة لجريمة القتل التي ارتكبت في إسطنبول، بما في ذلك في تحقيق الأمم المتحدة الذي ترأسته خبيرة حقوق الإنسان أغنيس كالامارد في شهر يونيو / حزيران 2019. كما كان اسمه واحدا من أوائل الأسماء التي حظر على أصحابها دخول الولايات المتحدة وبريطانيا وعدد من البلدان الأوروبية الأخرى.
مازال ولي العهد عازما على إسكات جميع منتقديه، وعاكفا على تشجيع الخطاب القومي المتطرف وتشكيل فرق الموت التي برز دورها في إشاعة الرعب داخل المملكة العربية السعودية. ولقد رسمت فرق الموت ونفذت عمليات قتل واختراق وتخويف للمنتقدين والمعارضين داخل البلاد وخارجها بحجة حماية الوطن والدفاع عنه.
مثله مثل محمد بن سلمان، تخرج القحطاني من جامعة الملك سعود حيث درس القانون. وبعد فترة وجيزة من العمل في كلية الأمن السعودية كمحاضر في القانون، جيء بالقحطاني إلى الحكومة على أيدي خالد التويجري، أحد كبار مساعدي الملك عبدالله، ثم ما لبث أن أزيح من منصبه وتعرض للتهميش فأصبح من الساخطين.
شباب وطموح وعدوانية
ارتبط اسم القحطاني في خريف 2017 بحادثة فندق الريتز كارلتون، عندما اعتقل محمد بن سلمان عددا من كبار الأمراء ورجال الأعمال تحت مسمى مكافحة الفساد. حينها، تعرض عدد من أبناء الملك عبدالله، مثل متعب وغيره، للامتهان والاعتقال لعدة شهور. ولربما كان ذلك انتقاما مارسه القحطاني ردا على ما تعرض له من إهانة في عهد الملك عبدالله.
ولكن يقال إنه، ومنذ عام 2012، تواصل مع الشركة الإيطالية هاكينغ تيم التي تبيع برامج التجسس الإلكتروني للحصول على خدماتها لصالح النظام. ومنذ أن أعاده ولي العهد السعودي إلى داخل منظومة الحكم، يقال إنه بادر بالاتصال بشركة إن إس أو الإسرائيلية المتخصصة في مجال التجسس على الإنترنيت، والتي تقوم بتصنيع برامج التجسس الإلكتروني.
ثم أصبح القحطاني مستشارا في الديوان الملكي قبل أن يعينه محمد بن سلمان مستشارا له للشؤون الإعلامية ومشرفا عاما على مركز دراسات الشؤون الإعلامية في الديوان الملكي. ومثله مثل محمد بن سلمان، يعتبر القحطاني شابا طموحا ونشيطا جدا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص في تويتر.
وفي عام 2017 ارتبط اسم القحطاني كذلك بحادثة حبس رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الرياض وإجباره على قراءة خطاب استقالة معد مسبقا على أمل أن يؤدي ذلك إلى تفجير أزمة سياسية داخل لبنان وإضعاف قبضة حزب الله المدعوم إيرانيا على البلاد.
السيد هاشتاغ
تعكس سلوكيات البلطجة التي يمارسها القحطاني الصفة الملازمة للنظام بمجمله في عهد محمد بن سلمان. ففي عام 2018 اتهمه أقارب لجين الهذلول بالمسؤولية عن العنف الجنسي والبدني الذي تعرضت له المدافعة عن حقوق النساء والتي مازالت معتقلة منذ شهر مايو / أيار 2018.
إلا أن ذروة ما وصل إليه سلوكه الإجرامي لم تنكشف تماما إلا بعد جريمة قتل خاشقجي.
وبسبب عدوانية التصريحات التي كانت تصدر عن القحطاني عبر وسائل التواصل الاجتماعي ذهب كثير من المعارضين والنقاد نحو إطلاق اسم السيد هاشتاغ عليه. كما اعتبروه المؤسس لما يعرف بجيش الذباب الإلكتروني، والمكون من فريق من الأفراد الذي يمارسون الهجوم عبر الإنترنيت على المعارضين والمنتقدين ويعملون على تخويفهم لحملهم على التزام الصمت.
كان خاشقجي يرغب في مواجهة جيش الذباب الإلكتروني بجيش من النحل الإلكتروني، وفضح المظالم، ومساندة سجناء الرأي، ودعم حرية التعبير، وهو الحق الذي حرمه منه ولي العهد ومساعده.
كان القحطاني يقول باستمرار إنه يرغب في تخليص البلاد من الخونة ومن أعداء الدولة. وفي إحدى المناسبات، وباللجوء إلى لغة شعبوية بهدف تحقيق أغراض سلطوية، غرد قائلا إنه “يتوجب على الناس مساعدة الحكومة في إعداد قائمة سوداء بأسماء هؤلاء الخونة الذين ينتقدونها ويلطخون سمعتها.” من الواضح أن خاشقجي كان اسمه ضمن تلك القائمة.
وفي نهاية المطاف، تعهد بالقضاء على من وردت أسماؤهم ضمن القائمة السوداء. وكان يقف من وراء الترويج لفكرة “المواطن المخبر” وكذلك “المواطن الشرطي”، حينما طالب جميع السعوديين بوجوب التطوع للدفاع عن الوطن بمختلف الطرق.
وكان من هذه الطرق إضافة أسماء النقاد والمعارضين المقيمين خارج البلاد إلى القائمة السوداء. كان القحطاني يعكف على إنشاء بنك للبيانات يتم من خلاله إنشاء قوائم بأسماء الناس من الناقدين والمعارضين بشكل عشوائي، مع خطط محتملة للتخلص منهم.
في خدمة السيد
كان القحطاني مسؤولا عن التحكم بصورة المملكة العربية السعودية في ظل القيادة الجديدة لتبدو تقدمية وليبرالية ومزدهرة اقتصاديا، وسعيا لتحقيق هذه الغاية استعان بخبرات العديد من شركات العلاقات العامة الغربية. وذكرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية أنه كان المتزعم لفرقة الموت التي قامت بتصفية جمال خاشقجي داخل القنصلية.
ارتبطت لغة القحطاني القومية المتشددة ارتباطا وثيقا بالأمن. فقد اتهم منتقدي المملكة بالخيانة ولجأ إلى خطاب قومي متطرف لترهيبهم وإسكاتهم. لم يكن خاشقجي سوى واحدا من هؤلاء الناقدين.
إلا أن القحطاني لم يكف عن القول مرارا وتكرارا بأنه إنما يخدم سادته، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وصاحب السمو ولي العهد. كما كان دوما يعرب عن امتنانه لهما على ما أولياه من ثقة، موقعا تصريحه بالخادم الوفي. وكان يذكر متابعيه على تويتر بانتظام بأنه يتلقى أوامره باستمرار من ولي العهد.
قومية كاذبة
في ظل البلطجة الجديدة التي ترتدي ثوب القومية المخلصة، بات مألوفا في المملكة العربية السعودية اتهام أي شخص معتقل بالاتصال أو التواصل مع عناصر أو حكومات أجنبية. أما المعارضون الذين ينتقدون المملكة من الخارج فهؤلاء يتهمون بالخيانة وبالسعي لتقويض الدولة.
يمكن اعتبار التحدث مع وكالة إعلامية أجنبية بدون إذن جريمة يعاقب عليها بالسجن. ولا يكف القحطاني ومن معه من عناصر فريق التصيد الإلكتروني عن مقارنة الخائنين بالوطنيين (من أمثالهم). ولم تسلم النساء المعتقلات من الوصم بالخيانة والاتهام بالسعي لتقويض الوطن.
إذا ما ثبت فعلا أن القحطاني لقي حتفه بالسم، فسوف تبرز المزيد من الأسئلة حول دور محمد بن سلمان في جريمة قتل خاشقجي. وذلك أن تسميم واحد من أقرب الأعوان يشبه اختفاء جثة خاشقجي بعد ارتكاب جريمة القتل.
قد تكون دسائس محمد بن سلمان بلا نهاية ولكن حقيقة واحدة تبقى، ألا وهي أن الرجل الذي يتربع اليوم على رأس هرم السلطة في السعودية، والذي قد يصبح ملك البلاد في المستقبل، رجل يداه ملطختان بالدماء، وسيظل متهما بجرائم بشعة قد لا يتمكن بتاتا من إثبات براءته منها.
عن موقع ميدل إيست آي البريطاني.. ترجمة “عربي21”