كان عسيرا على مدى السنوات الأربع الماضية الإبقاء على حالة البهجة التي صاحبت وصول الملك سلمان إلى العرش في شهر يناير / كانون الثاني من عام 2015.
وبات يصعب عليه بشكل متزايد الدفاع عن الوضع في البلاد بعد أن تمت ترقية ولده إلى أعلى المناصب ليصبح الوجه الجديد للمملكة بينما اختفى الوالد تقريباً بشكل تام من المشهد العام.
لقد ألقت العديد من الأزمات بظلالها خلال السنوات الأخيرة. ولم يبق سوى أن تحدث معجزة حتى يصبح ممكناً التخلص من موجة الانتقاد التي أحاطت من كل مكان بالسنوات الأكثر خلافية في تاريخ المملكة، إلى أن وصلت المملكة العربية السعودية محلياً وإقليمياً ودولياً إلى طريق مسدود.
انعدام التسامح
داخل البلد، أدار ولي العهد محمد بن سلمان شؤون العائلة بشكل سيء جداً وهز حكم آل سعود من القواعد عندما سلط نفوذه المكتسب حديثاً على كبار الأمراء فاعتقلهم هم وسواهم داخل فندق الريتز كارلتون الفخم، ولم يطلق سراحهم إلا بعد أن افتدوا أنفسهم بمبالغ طائلة دفعوا بها إليه، وباتوا الآن يعيشون على الهامش، ليس بمقدور أحد منهم لا استعادة الاحترام ولا التقدير.
إلا أن الضربات الأشد كانت من نصيب المخالفين، الذين لم يسمح لهم محمد بن سلمان بأدنى مستويات المعارضة السلمية، فأودع المئات من الناس من مختلف القناعات السياسية داخل السجون سيئة السمعة في الرياض وفي جدة، مستهدفاً رجال الأعمال والإسلاميين والنشيطات من النساء. لجأ البعض إلى الفرار من البلد خوفاً على أنفسهم ولاذوا بالبلدان الغربية مثل كندا والمملكة المتحدة.
في هذه الأثناء تم تنظيم سلسلة من برامج الترفيه لإلهاء الشباب السعوديين والتستر على مظاهر أزمة مستعرة في صفوف العاطلين عن العمل، وخاصة أولئك الذين عادوا بمؤهلات علمية عالية فلم يجدوا أعمالاً لهم (ومن الطبيعي أنه بلا وظائف تصبح حفلات الترفيه والتسلية مكلفة وبعيدة عما في وسعهم).
مازال القطاع الخاص يجد صعوبة بالغة في مسعاه للتوسع، وذلك في ضوء مغادرة الثروة للبلاد باتجاه أماكن أكثر أمناً وأجدر بالثقة. ويمكن أن يستدل على حجم هذه الأزمة بحقيقة أن المسؤولين السعوديين اضطروا إلى مناشدة النخب بعدم إخراج أموالهم من البلاد.
تم تأجيل الكثير من المشاريع، وربما إلى الأبد. ومن أشهرها مشروع خصخصة خمسة بالمائة من شركة النفط الوطنية أرامكو. كانت تلك الخطة متكلفة منذ البداية، وبعد عامين فقط من إطلاقها تجلت بوضوح المصاعب والعوائق التي تحول دون نجاحها. تم الآن تجميد تلك الخصخصة، ولا يعلم أحد ما إذا كانت ستستأنف من جديد.
عامل خاشقجي
اجتماعياً واقتصادياً، قُطعت الكثير من الوعود خلال السنوات الأربع الماضية، وكانت النتائج مختلطة. مازال الاقتصاد السعودي معتمداً على النفط، ولكن بقيت أسعار النفط متدنية. سوف يؤثر ذلك على قدرة محمد بن سلمان على الوفاء بتعهداته الكثيرة من اقتصاد المعرفة إلى برنامج تنويع الموارد، لأنها كلها تحتاج إلى النقد في غياب أي استثمار أجنبي جاد.
أصبح كل ذلك أكثر صعوبة بعد جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في الثاني من أكتوبر / تشرين الأول. فقد ألغى كثير من المستثمرين مشاركتهم في مؤتمر “دافوس في الصحراء”. ولم يبق سوى خيار واحد: تسييل الصندوق السيادي والاستمرار في إصدار السندات الحكومية. أصبحت المملكة العربية السعودية بلداً بإمكانه الاستمرار فقط من خلال استدانة المال من الأسواق العالمية.
ويصبح الأمر أكثر تعقيداً حينما يتعلق الأمر بالسياسات الإقليمية. فقد دخلت الحرب في اليمن عامها الخامس، دون تحقيق أي نصر حقيقي. وفي وقت متأخر من العام الماضي خضع محمد بن سلمان للضغوط فبدأ في التفاوض على حل سلمي وللتفاهم مع خصومه الحوثيين، إلا أنه مازالت لا تلوح في الأفق نهاية للأمر. في تلك الأثناء، قضى الآلاف من اليمنيين حتفهم بسبب القصف الجوي السعودي.
كما لازال النزاع السعودي القطري يراوح مكانه بلا حل. كان الحصار الذي تقوده المملكة العربية السعودية على قطر بمثابة إعلان حرب، ولكن لحسن الحظ لم تشتعل بين الطرفين حرب حقيقية. ومع ذلك لا يلوح في الأفق ما يشير إلى تصالح، بينما لم تضع الحرب الإعلامية أوزارها.
بدلاً من الإطاحة بالنظام في الدوحة، أدت العقوبات التي تتزعمها السعودية إلى تعزيز شبه جزيرة قطر وتعضيد علاقاتها بكل من تركيا وإيران – وهو على النقيض تماماً مما كانت ترجو المملكة العربية السعودية تحقيقه، ناهيك عن تفوق قطر في المعركة الإعلامية.
العلاقات المتدهورة
على مستوى الإقليم، خرجت الرياض بصورة النظام العربي الذي يهرول بشكل محموم نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقد تتكبد المملكة بسبب ذلك ضربة قاتلة لن تلبث تداعياتها أن تطفو على السطح.
قد يستوعب محمد بن سلمان في نهاية المطاف أنه بدون موافقة الفلسطينيين فلن تكون هناك خطة للسلام وأن جهوده لن تؤدي إلا إلى تمكين إسرائيل من اختراق السوق السعودية بينما يستمر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في تهديد السلام في كل أرجاء المنطقة من عمان إلى بيروت إلى القاهرة.
في نفس الوقت تستمر علاقات السعودية مع حلفائها القدامى في التدهور في ضوء النزاعات المتفاقمة بين الرياض وكل من كندا وألمانيا والسويد. فلقد شاهد العالم السفير الكندي يطرد من الرياض فقط بسبب تغريدة صادرة عن وزارة الخارجية الكندية انتقدت فيها اعتقال النشيطات من النساء. وها هي كندا تصبح الوجهة المفضلة لدى طالبي اللجوء من السعوديين والسعوديات.
بينما لازال محمد بن سلمان يحتفظ بعلاقات طيبة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا يبدو أنه يؤمن بتنويع علاقاته الدبلوماسية. يشترك ترامب ومحمد بن سلمان في صفتي الجنوح والرعونة، إلا أن العلاقة القائمة بينهما الآن قد لا تنجو من الطبيعة الانتقائية لشخصيتيهما.
قد يكون صعباً على الملك سلمان أو ابنه مواجهة موجة السخط التي تجتاح المملكة العربية السعودية بسبب هيمنة الأخير على كل جوانب الحكم. سيأتي الاختبار الحقيقي عندما يفقد محمد بن سلمان الغطاء الذي يوفره له والده منذ أربعة أعوام، والذي حينما يصبح وحيداً داخل القصر قد تتاح له فرص جديدة لتخليص المملكة العربية السعودية من هذا الخطر.
(عن موقع “ميدل إيست أي” البريطاني، مترجم خصيصا لـ”عربي21″)